فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبراهيم}.
قال مقاتل: يعني: إبراهيم من شيعة نوح عليه السلام وعلى ملته.
وقال الكلبي يعني: من شيعة محمد صلى الله عليه وسلم إبراهيم، وعلى دينه، ومنهاجه.
وذكر عن الفراء أنه قال: هذا جائز.
وإن كان إبراهيم قبله كما قال: {وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ في الفلك المشحون} [يس 41].
يعني: آباءهم ذريته الذين هو منهم.
قوله عز وجل: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يعني: إبراهيم دعا ربه بقلب سليم.
أي: خالص ويقال: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: مخلص سليم من الشرك {إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} يعني: إيش الذي تعبدون.
ويقال: معناه لماذا تعبدون هذه الأوثان؟.
قوله عز وجل: {الله ءالِهَةً} يعني: أكذبًا آلهة {دُونَ الله تُرِيدُونَ} عبادتها {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ العالمين} إذا عبدتم غيره، فما ظنّكُم به إذ لقيتموه؟ {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم} قال مقاتل: يعني: في الكواكب.
ويقال: {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم} أي: في أمر النجوم.
ثم تفكر بالعين وبالقلب وذلك أنه رأى كوكبًا قد طلع {فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} أي: سأسقم.
ويقال: مطعونًا.
وهو قول سعيد بن جبير، والضحاك.
وقال القتبي: نظر في الحساب لأنه لو نظر إلى الكواكب لقال: نظر نظرة إلى النجوم.
وإنما يقال: نظر فيه إذا نظر في الحساب.
{فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} أي: سأمرض غدًا، وكانوا يتطيرون من المريض.
فلما سمعوا ذلك منه هربوا، فذلك قوله تعالى: {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} قال الفقيه أبو الليث رحمه الله حدّثنا الخليل بن أحمد. قال: حدّثنا خزيمة. قال: حدّثنا عيسى بن إبراهيم. قال: حدّثنا ابن وهب عن جرير بن حازم، عن أيوب السجستاني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمَ قَطُّ إلاَّ ثَلاثَ كَذِباتٍ، ثِنْتَانِ فِي ذَاتِ الله قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابعث في المدآئن حاشرين} [الأنبياء: 63] وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَّةَ، ذلك أنَّهُ قَدِمَ أرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَّةُ، وَكَانَتْ أحْسَنَ النِّسَاءِ فَقَالَ لَهَا: إنَّ هذا الجَبَّارَ إنْ عَلِمَ أنَّكِ امْرَأَةٌ، يَغْلِبنِي عَلَيْكِ. فَإنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أنَّكِ أُخْتِي فِي الإسْلامِ، فإنِّي لا أعْلَمُ فِي الأرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ. فَلّمَا دَخَلَ الأرْضَ، رَآهَا بَعْضُ أهْلِ الجَبَّارِ، فأتَاهُ. فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ دَخَلَ الْيَوْمَ أرْضَكَ امْرَأَةٌ لا يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ إلاَّ لَكَ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا. فَأُتِي بِهَا. فَقَامَ إبْرَاهِيمُ إلَى الصَّلاةِ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أنْ بَسَطَ يَدَهُ إلَيْهَا، فَقُبِضَتْ يَدَهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً. فَقَالَ لَهَا ادْعِي الله أنْ يُطْلِقَ يَدِي، وَلا أضُرُّكِ. فَفَعَلَتْ. فَعَادَ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ أشَدَّ مِنَ القَبْضَةِ الأُولَى. فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَتْ. فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أشَدَّ مِنَ القَبْضَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، فَقَالَ لَهَا: ادْعِي الله أنْ يُطْلِقَ يَدِي، وَلَكِ عَلَيَّ ألاَّ أضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، فَأُطْلِقَتْ يَدُهُ. فَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: إنَّكَ أتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ، وَلَمْ تَأْتِنِي بإنْسَانٍ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أرْضِي، وَأعْطَاهَا هَاجَرَ، فَأقْبَلَتْ تَمْشِي حَتَّى جَاءَتْ إلَى إبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا رَآهَا إبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ، فَقَالَ لَهَا: مَهْيَمْ يَعْنِي مَا الخَبَرُ؟ فَقَالَتْ: خَيْرًا كُفِيتُ الفَاجِرَ، وأخْدَمَنِي خَادِمًا». فقال أبو هريرة: فتلك أمُّكم يا بني ماء السماء.
يعني: نسل العرب منها.
لأنه روي في الخبر أنها وهبت هاجر لإبراهيم، فولد منها إسماعيل.
ويقال: {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} يعني: أعرضوا عنه ذاهبين إلى عيدهم.
قوله عز وجل: {فَرَاغَ إلى ءالِهَتِهِمْ} يعني: مال إلى أصنامهم.
ويقال: دخل بيوت الأصنام، فرأى بين أيديهم طعامًا {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} فلم يجيبوه، فقال: {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُون فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا باليمين} يعني: أقبل يضربهم بيمينه.
ويقال: يضربهم باليمين التي حلف، وهو قوله: {قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} [الأنبياء: 57] ويقال: {باليمين}.
يعني: يضربهم بالقوة.
واليمين كناية عنها، لأن القوة في اليمين {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} يعني: يسرعون {قَالَ} إبراهيم {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} بأيديكم من الأصنام.
قرأ حمزة: {يُزِفون} بضم الياء.
وقرأ الباقون بالنصب.
فمن قرأ بالنصب فأصله من زفيف النعام، وهو ابتداء عدوه.
ومن قرأ بالضم أي: يصيروا إلى الزفيف، ويدخلون في الزفيف، وكلا القراءتين يرجع إلى معنى واحد، وهو الإسراع في المشي.
ثم قال عز وجل: {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} يعني: وما تنحتون به يأيديكم من الأصنام.
ومعناه: تتركون عبادة من خلقكم، وخلق ما تعملون، وتعبدون غيره {قَالُواْ ابنوا لَهُ بنيانا} يعني: أتونًا {فَأَلْقُوهُ في الجحيم} يعني: في النار العظيمة {فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا} يعني: أرادوا حرقه وقتله {فجعلناهم الاسفلين} يعني: الآخرين.
ويقال: الأذلين.
وعلاهم إبراهيم فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى أهلكهم الله عز وجل.
{وَقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي} يعني: إني مهاجر إلى طاعة ربي.
ويقال: من أرض ربي.
إلى أرض ربي.
وقال مقاتل: يعني: من بابل إلى بيت المقدس.
ويقال: من أرض حران إلى بيت المقدس، ويقال: من أرض حران إلى بيت المقدس، {سَيَهْدِينِ} يعني: يحفظني ويقال: إني مهاجر إلى ربي يعني: مقبل إلى طاعة ربي {سَيَهْدِينِ} أي سيرشدني ربي.
ويقال: سيعينني.
قوله عز وجل: {رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} يعني: يا رب أعطني ولدًا صالحًا من المسلمين {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} يعني: حليم في صغره، عليم في كبره.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} إلى الحج، ويقال: إلى الجبل {قَالَ} إبراهيم عليه السلام لابنه {قَالَ يا بنى إِنّى أرى في المنام} قال مقاتل: هو إسحاق.
وقال الكلبي: هو إسماعيل.
وروى معمر عن الزهري قال في قوله: {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} قال ابن عباس: هو إسماعيل.
وكان ذلك بمنًى.
وقال كعب: هو إسحاق.
وكان ذلك ببيت المقدس.
وقال مجاهد، وابن عمر، ومحمد بن كعب القرظي؛ هو إسماعيل.
وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو إسحاق.
وهكذا روي عن ابن عباس، وهكذا قال وعكرمة، وقتادة، وأبو هريرة، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم وهكذا قال أهل الكتابين كلهم، والذي قال: هو إسماعيل احتج بالكتاب والخبر، أما الكتاب فهو أنه لما ذكر قصة الذبح قال على أثر ذلك: {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا} وأما الخبر فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «أنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْن» يعني: أباه عبد الله بن عبد المطلب، وإسماعيل بن إبراهيم.
وأما الذي يقول: هو إسحاق يحتج بما روي في الخبر، أنه ذكر نسبة يوسف، فقال: كان يوسف أشرف نسبًا.
يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله قد اختلفوا فيه هذا الاختلاف، والله أعلم بالصواب، والظاهر عند العامة هو إسحاق.
فذلك قوله: {قَالَ يا بنى إِنّى أرى في المنام أَنّى أَذْبَحُكَ} فظاهر اللفظ أنه رأى في المنام أنه يذبحه، ولكن معناه: {إِنّى أرى في المنام} أني قد أمرت بذبحك بدليل ما قال في سياق الآية: {قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ} وروي في الخبر: «أنَّهُ رَأَى فِي المَنَامِ أنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تَذْبَحَ وَلَدَكَ فَاسْتَيْقَظَ خَائِفًا، وَقَالَ: أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ثُمَّ رَأَى فِي المَنَامِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِثْلَ ذلك، فَاسْتَيْقَظَ وَضَمَّ ابْنَهُ إلى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ يَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ، فَانقادَ لأمْرِ الله تَعَالَى، وَقَالَ لامْرَأتِهِ سَارَّة إنِّي أرِيدُ أنْ أَخْرُجَ إلى طَاعَةِ رَبِّي، فَابْعَثِي ابْنِي مَعِي، فَجَهَّزَتْهُ، وَبَعَثَتْهُ مَعَهُ».
قال كعب الأحبار: قال الشيطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدًا فلما خرج إبراهيم بابنه ليذبحه، فذهب الشيطان، ودخل على سارة فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك؟ فقالت: غدا به لبعض حاجته قال: إنه لم يغد به لحاجته، ولكنه إنما ذهب به ليذبحه، فقالت: ولم يذبحه؟ قال: يزعم أن ربه أمره بذلك فقالت: قد أحسن أن يطيع ربه، فخرج في أثرهما، فقال للغلام: أين يذهب بك أبوك؟ قال لبعض حاجته قال: فإنه لا يذهب بك لحاجته، ولكنه إنما يذهب بك ليذبحك فقال: ولم يذبحني؟ قال: يزعم أن ربه أمره بذلك قال: فوالله لئن كان الله أمره بذلك، ليفعلن فتركه ولحق بإبراهيم، فقال: أين غدوت بابنك؟ قال: لحاجة قال: فإنك لم تغد به لحاجة، وإنما غدوت به لتذبحه قال ولم أذبحه؟ قال: تزعم أن الله تعالى أمرك بذلك قال: فوالله لئن كان الله أمرني بذلك لأفعلن فتركه، وأيس من أن يطاع.
قوله عز وجل: {فانظر مَاذَا ترى قَالَ يا أبت قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فأوحى الله تعالى إلى إسحاق أن ادعو، فإن لك دعوة مستجابة.
فقال إسحاق: اللَّهم إني أدعوك أن تستجيب لي في أيما عبد من الأولين والآخرين لقيك لا يشرك بك شيئًا أن تدخله الجنة.
وقال مجاهد: إن إبراهيم عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه بالسكين، قال ابنه: يا أبت خذ بناصيتي، واجلس بين كتفي، حتى لا أوذيك إذا أصابني حدّ السكين، ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي، عسى أن ترحمني، واجعل وجهي إلى الأرض، ففعل إبراهيم.
فلما أمرّ السكينة على حلقه، انقلبت.
فقال: يا أبت ما لك؟ قال: قد انقلبت السكين.
قال: فاطعن بها طعنًا.
قال: فطعن، فانثنت.
قال: فعرف الله عز وجل الصدق منه، ففداه بذبح عظيم، وقال: هو إسحاق.
وروى أسباط عن السدي قال: كان من شأن إسحاق حين أراد أبوه أن يذبحه.
أنه ركب مع أبيه في حاجة، فأعجبه شبابه، وحسن هيئته، وكان إبراهيم حين بشر بإسحاق قبل أن يولد له، قال: هو إذًا لله ذبيح.
فقيل لإبراهيم في منامه: قد نذرت لله نذرًا فاوفيه، فلما أصبح قال: {قَالَ يا بنى إِنّى أرى في المنام أَنّى أَذْبَحُكَ} يقول: قد أمرت بذبحك {قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ} قال: فانطلق معي، وأخبر أمك أنك تنطلق إلى أخوالك، وأخذ إبراهيم معه حبلًا، ومدية، يعني: السكين.